نازك الملائكة
شاعرة العراق
المقدمة:
نشأت الشاعرة العراقية "نازك الملائكة" في بيئة أدبية، كان لها تأثيرها في نزوعها نحـو الشعر، والتعلق بالأدب واللغـة والتراث، فأبوهــا صـادق جعفر الملائـكة (1892ـ1969) الذي درَّس اللغة العربية في المدارس الثانوية الرسمية أكثر من ربع قرن، وأمها الشاعرة أم نزار(سلمى عبدالرزَّاق) من مواليد ببغداد سنة 1908م وكان زواجها في سن مبكرة، وتوفيت سنة 1953م، وقد طبع ديوان شعــرها بعــنوان "أنشودة المجد" (1968م).
ثقافتها:
ولدت "نازك" في بغداد في 23 أغسطس سنة 1923م، وتخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1944م، ثم واصلت دراستها في جامعة "وسكونسن" الأمريكية (1954م).
وعن تكوينها الثقافي في بواكير حياتها الأدبية تقول: في عامي 1939 – 1940 اتجهت اتجاهاً شديداً مبالغاً فيه إلى دراسة الأدب القديم، وخاصة النحو، فأعطاني أبي كتباً مثل "شرح شواهد ابن عقيل" للجرجاوي، و"فقه اللغة" للثعالبي و"خزانة الأدب" للبغدادي، وعشرات من الكتب مثلها.
وقد كتبت في يومياتي يوم 26 شباط 1940 أشكو من فداحة المجادلات بين الكوفيين والبصريين وأقول: "على أيهم أعقد؟! أعلى سيبويه أم على الكسائي؟! ثم هنالك ابن هشام وأبو حيان والسيوطي والسهيلي وابن خروف والزجاج والأصمعي. ثم كتبت صفحات طويلة حول نقاط تفصيلية في معركة نحوية لم أعد الآن أطيق قراءتها، وكنت في تلك الأيام ألتهمها التهاماً. وقد قرأت من كتب النحو إذ ذاك "شذور الذهب" لابن هشام" و"حاشية الشيخ عبادة على شذور الذهب" قراءة ودراسة، كما استظهرت جانباً كبيراً من شواهد ابن عقيل مع شروحها وإعرابها اعتماداً على ابن عقيل والشيخ قطة العدوي، وقد قفزت بي هذه الدراسة إلى مستوى عالٍ جداً في النحو حتى برزت بروزاً مرموقاً في المدرسة.
وفي حقل الأدب واللغة قرأت عمدة ابن رشيق، والمثل السائر، وأدب الكاتب، وخزانة الأدب للبغدادي. ومما أذكر أنني قرأت "البيان والتبيين" في ثمانية أيام، كدت خلالها أوذي عيني إيذاءً شديداً. ولا أذكر الآن أي جنون هو الذي دفعني إلى هذا؟! إلا أنني أرجح أنها بداية عادتي المتأصلة في القراءة الكثيرة وقياس الحياة بها، فمنذ تلك الفترة بدأت أشعر بالرعب كلما مر بي يوم لم أقرأ فيه ثماني ساعات!
لم تكن قراءة "البيان والتبيين" في ثمانية أيام هينة، بل كانت تلك الأيام أيام محنة فظيعة انتهت بمرضٍ كان لابد منه اضطررت معه إلى ترك المطالعة لالتهاب عيني.
ومما قرأت "رسالة الغفران"، و"الضرائر"، و"ما يسوغ للشاعر دون الناثر" للآلوسي، وقد أحببته حباً كبيراً، و"شعراء النصرانية" للويس شيخو. وقد حفظت منه مئات من الأبيات الجاهلية وحفظت أخبار حرب البسوس غيباً، وكان أشد ما يمتعني أن أحفظ الأبيات التي من أجلها سمي النابغة، وأفنون التغلبي، والمرقش، وغيرهم، بأسمائهم، والواقع أني بتّ بواسطة هذا الكتاب واسعة الاطلاع على الشعر الجاهليّ، وكانت ثقافتي تعادل ثقافة المتخرجات من الكليات.. ومن بين ما قرأت كتاب "الساق على الساق في ما هو الفرياق" وكنت أستمتع استمتاعاً كبيراً بلغته.
وفي الشعر قرأت ديوان البحتري، وابن زيدون، والبهاء زهير، وابن خفاجة، وابن سهل، مفصلاً، وحفظت لهم كثيراً، كما قرأت كتباً حديثة كثيرة، بينها "عبقرية الشريف الرضي" لزكي مبارك، و"تاريخ حياة معدة" لتوفيق الحكيم، و"مع أبي العلاء في سجنه" لطه حسين، و "أميرة الأندلس" و"عنترة" لشوقي.. و"بلوغ الإرب" للآلوسي.. ومن الدواوين الحديثة بعض الدواوين العراقية، وديوان "الملاح التائه" لعلي محمود طه.
زواجها:
بعدما أنهت دراستها في أمريكا عادت إلى بغداد فعينت أستاذة مساعدة في جامعتها، وانتقلت بعد ذلك إلى التدريس بجامعة البصرة، وأصدرت دواوين شعرية: عاشـقة الليل (1947م)، شظايا ورماد (1949م)، قرارة الموجة (1957م)، شجرة القمر (1968م)، ودراسة نقدية بعنوان (قضايا الشعر المعاصر 1962)، ولها أيضاً: الأدب والغزو الفكري (1965)، محاضرات في شعر علي محمود طه (1965).
تزوجت نازك الملائكة سنة 1962م بالدكتور "عبدا لهادي محبوبة" (1912م) وكان أستاذاً بجامعة بغداد، ثم أصبح رئيساً لجامعة البصرة.
وقد أصدرت ديوان شعر بعنوان "مأساة الحياة وأغنية للإنسان" (1970)، ولها أيضاً: التجزئة في المجتمع العربي (1974)، وللصلاة والثورة (1977) ثم ديوان "يغيِّر ألوانه البحر"
نحِّي زوجها عن رئاسة جامعة البصرة، كما نُحِّيت هي أيضاً عن تدريس الأدب العربي، فمضيا إلى الكويت ودرَّسا في جامعتها. ومنحتها كلية الآداب بجامعة الكويت سنة 1985م إجازة تفرّغ للعلاج بعد أن عانت وضعاً صحياً ونفسياً متدهوراً.
شاعرة الحزن!
قال "عبد اللطيف شرارة" في نازك الملائكة، في نقده ديوانها "عاشقة الليل" (مجلة الأديب البيروتية، مارس 1948م):
"أما عند الآنسة نازك فإنَّ بواعث الكآبة التي تتجلَّى في كل بيت من أبيات ديوانها هذا، ليست في الحرمان ولا في الحبّ الضائع ولا في فكرة الموت، وإنما هو "حزن فكريّ" نشأ عن تفكير في الحياة والموت من جهة، وتأمُّل في أحوال الإنسانية من جهة أخرى، ثمَّ انتقلت هذه الملاحظات والتأملات إلى صعيد الحسّ، فحفرت في "القلب" جروحاً لا تندمل، وأخذت من بعد ذاك تتدفَّق آهات وأحزاناً. وتلك هي رواية شاعريتها.....".
ويلمح القارئ روحها حائرة حزينة مضطربة مكفهرة في كل قصيدة من قصائد ديوان "عاشقة الليل". وهذه التسمية وحدها كافية للدلالة على رغبتها في السكينة والعزلة والانطواء لكي تطالع في كتاب روحها سطور الألم وعلامات الأسى!
وعندما سئلت الشاعرة عن روح الحزن والكآبة التي تغلب على شعرها، أجابت قائلة: "لعلَّ سبب ذلك أنني أتطلَّب الكمال في الحياة والأشياء وأبحث عن كمال لا حدود له. وحين لا أجد ما أريد؛ أشعر بالخيبة وأعدّ القضية قضيتي الشخصية. يضاف إلى هذا أنني كنت إلى سنوات خلت أتخذ الكآبة موقفاً إزاء الحياة، وكنت أصدر في هذا عن عقيدة لم أعد أؤمن بها، مضمونها أنَّ الحزن أجمل وأنبل من الفرح"!
إلى القاهرة:
وبعد رحلة طويلة مع الشعر والأدب والتدريس في الجامعات اختارت نازك الملائكة أن تقضي ما بقي من عمرها في القاهرة برفقة ابنها الوحيد وزوجها الذي رحل عن عالمنا قبل مدة، وهي الآن تعاني حياة صحية سيئة حيث تعاني من مرض عضال. شفى الله الشاعرة العراقية نازك الملائكة، ورزقها الخاتمة الحسنة.
الخاتمة:
لقد كانت هذه الشاعرة بحق ملهماً لجميع شعراء الشعر الحديث، وكانت ولا تزال أفضل شعراء الوصف في عصرنا هذا، وكانت رائدة في شعر التفعيلة، وكان شعرها يشتمل على عناصر عدة من مثل: التحرر من قيود الوزن الخليلي والقافية الموحدة ، مما جعلها قدوة لجميع شعراء هذا العصر ، فلهذا السبب قد اخترت هذه الشخصية الفذة التي نورت عقولنا بشعرها الرائع ، وأرى إنها من أفضل الشعراء الذين ساهموا في تقدم شعر التفعيلة.
المصادر والمراجع:
1_ مجلة الشرق العربي.
2_قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة.