* "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
بعد أن رحلت خديجة بنت خويلد إلي جوار ربها .. والتي قضى معها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع قرن .. وكان قد تجاوز مرحلة الشباب .. وكانت ابنته فاطمة الزهراء صغيرة في حاجة إلي رعاية من يقوم مقام الأم فعرضت عليه (خوله بنت حكيم) أن يتزوج "سودة بنت زمعة" التي مات عنها زوجها (السكران بن عمر العامري) عقب عودته مع سودة من هجرته إلي الحبشة. وكانت امرأة مسنة .. خشيت اضطهاد مكة لها .. وخافت على دينها من أن يفتتها فيه أهل مكة فاختارها النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية ابنته فاطمة .. وليس هذا الاختيار بسبب رغبة في مال أو جمال فلم تكن تملك شيئا من ذلك .. وقد عبرت هي بنفسها عن ذلك للرسول فقالت:
ـ والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك!
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها بعد رحيل أم المؤمنين خديجة بعدة سنوات .. وكانت عائشة مازالت صغيرة .. وكانت جميلة .. وذكية .. وتعرف القراءة والكتابة .. وتحفظ الكثير من الشعر .. تربت في بيت أبي بكر الصديق .. وأخذت من والدها العظيم ذكاءه ورقته .. وجميل شمائله.
ويقول الرواة إن التي اقترحت خطبتها للرسول خولة بنت حكيم .. في نفس الوقت الذي عرضت عليه الزواج من سودة بنت زمعة .. وهنا نتوقف عند سن عائشة عندما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا أنها كانت في العاشرة من عمرها. ولكن هناك من الدارسين من يرى غير ذلك .. فالعقاد يقول:
ـ "ولا يعرف على التحقيق في أي سنة ولدت عائشة رضي الله عنها .. ولكن أقرب الأقوال إلي الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت في السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة .. فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها. يوم بنى بها الرسول عليه السلام".
ويقول عنها العقاد أيضا:
ـ وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أنها كانت بيضاء، فكان عليه السلام يلقبها بالحميراء .. ـ لاختلاط بياضها بحمرة وكانت أقرب إلي الطول لأنها كانت تعيب القصر، كما مر في كلامها عن السيدة صفية، وكانت في صباها نحيلة أو أقرب إلي النحول، حتى كان الذين يحملون هودجا خاليا يحسبونها فيه .. قالت في حديث مشهور:
ـ ".. وأقبل إلي رهط الذين يرحلون لي ـ أي يحملون الرحل على البعير ـ فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستكثر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، إذ كنت مع ذلك جارية حديثة السن".
ثم مالت بعد سنوات إلي شيء من السمنة كما جاء في كلامها في حديث آخر:
ـ "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم .. تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسبقته فسكت .. حتى إذا حملت اللحم وكنا في سفرة أخرى قال صلى الله عليه وسلم للناس: تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال تعالي حتى أسابقك فسبقني فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: هذه بتلك"..
كانت عائشة أقرب الناس إلي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عبر عن ذلك بقوله: "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
وقال أيضا يصف عاطفته القوية نحو عائشة:
ـ "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" وكانت السيدة عائشة تعرف مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لا يتفوق عليها إلا حبه للراحلة العظيمة خديجة بنت خويلد، حتى أن عائشة كانت تغار منها رغم وفاتها..
وكانت عائشة تعدد مزايا نفسها فقالت بعد أن رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلي جواربه:
ـ "فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر .. لم ينكح بكرا قط غيري .. ولا امرأة أبواها مهاجزان غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حربرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري. وقبض وهو بين سحري ونحوي في الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي".
ولا شك أن هذه المنزلة بلغتها بكل ما تملك من مواهب الجمال .. والذكاء .. والحس المرهف .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله يوما وهي تغزل ورأت العرق على وجهه، فتصورت أن حبات العرق على جبينه ـ حبها له تتألق نورا .. فاعترتها الدهشة.
قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: مالك بهت؟
قالت: يا رسول الله نظرت إلي وجهك فجعل عرقك يتولد نورا .. فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره..
قال: وما يقول يا عاشة أبو كبير الهزلي؟
قالت: يقول:
ومبـرأ مـن كل غير حيضة
وفصـاد مرضـعة وداء مقبل
وإذا نظـرت إلـي أسرة وجهه
برقت كبرق العـأرض المتهلل