لست فقيهًا ولا أمين شرطة، ولم أحب يومًا بأن أكتب في مدونتي ما يتعلق بالدين إلا عندما يواجهني موقف يجعلني أراجع حساباتي إلى أقصى الدرجات، وأقرر أنه لربما من الأفضل أن أقول الكلمتين اللتين في رأسي قبل أن ينفجر رأسي بهما ..
على واحدة من البلوجات التي أقرأها بدون إنقطاع، ألا وهي بلوج صديقي مصطفى فتحي وجدت موضوعًا ملفتًا للنظر عن النبي "يوسف" عليه الصلاة والسلام، وكيف أن قصته التي رواها مدرس التربية الدينية لطفل في العاشرة أثارت لدى ذلك الطفل مشاعر جنسية معينة.
وبعدًا تمامًا عن رأيي في هذه القصة، أو في أي من الأمور المتعلقة بها، أو في موافقتي أو معارضتي لـ "مصطفى" على كتابة مثل هذه القصة، حيث أن هذا أمرًا شخصيًا بيني وبين مصطفى أحببت نشره على باقي الأصدقاء أم لم أحب هو أمر خارج الموضوع الذي أريد التحدث عنه.
ما أريد التحدث عنه وبشدة هو حقيقة أن إحدى الردود التي كُتبت على هذا الموضوع جاء من السيدة "عاشقة النقاب" التي تفضلت شاكرة بنشر بعض الآيات من سفر الإنشاد من الإنجيل، التي توحي بعلاقة جنسية أيضًا وتقول له من بعدها : ها ؟! إيه رأيك بقى ؟!!!
والسؤال الذي أطرحه أنا هاهنا هو :
ها ؟!!!
عذرًا سيدتي عاشقة النقاب ولكن : من الذي جاء بسيرة المسيحيين أو الإنجيل أو التوراة أو أي ديانة آخرى بأي شكل من الأشكال في موضوع "مصطفى" ؟!!
من أين جاءت المقارنة ما بين سورة سيدنا "يوسف" في القرآن الكريم وسفر الإنشاد في الإنجيل ؟!! ما الفكرة من وراء المقارنة أصلاً ؟!! هل تريدين أن تقولي شيئًا كـ "ما هما كمان بيعملوا كده " مثلاً ؟!! هل تحاولين توصيل فكرة معينة ما من وراء مثل هذه المقارنة التي لا تعني إلا شيئًا واحدًا : فتنة طائفية ملفتة للنظر حقًا.
ما هي مشكلتك بالضبط مع الدين المسيحي التي تجعلك في لحظة دفاع عن الدين الإسلامي وفي موضوع لم يذكر الدين المسيحي من قريب أو بعيد تقومين بمهاجمة الدين المسيحي كأنهم هم مخطئون على طول الخط ؟! كأنهم أسوء خلق الله ؟!
تريدين الدفاع عن الدين الإسلامي بالطريقة التي تناسب وجهة نظرك (والتي أراها متشددة) قومي بذلك فحسب !! فلا معنى على الإطلاق لمهاجمة الدين المسيحي هاهنا ؟! ما الرسالة التي تحاولين توصيلها ؟! حقًا لا أعرف !!
لازلت أحاول حقًا فهم المنطق الذي جعلك تفكرين لثانية في أن تكتبي مثل هذا التعليق السخيف عن الدين المسيحي كي تدافعي عن آية إسلامية : لا يوجد منطق يسمح بهذا إلا منطق واحد فحسب : منطق العصبية القبلية التي أعمتك تمامًا عن أن الموضوع لا حديث به عن الدين المسيحي !!
وأنا من أنصحك بكل قلب رحب ـ أختي عاشقة النقاب ـ بأن تعرضي نفسك على طبيب نفسي متخصص كما نصحتي صديقي، ربما يساعدك على فهم المشاكل النفسية التي تجعلك تختبئين خلف نقاب كي لا يراك الناس، وتهاجمين الدين المسيحي بمجرد أن تحين لك أي فرصة واهية تسمح لك بذلك :
يسمون هذا في علم النفس بـ "رهاب الآخرين"، وأي طبيب نفسي محترم سيدرك هذا بمجرد قراءة بعض من ردودك هنا أو هناك ..!!!
يسألونني من أين تأتي الفتنة الطائفية كلما تحدثنا عن هذا الموضوع في أي محفل مهتم بهذا الأمروأقول لهم : تأتي من هذه المواقف الغريبة :
هل نحن حقًا نحاول أن نثبت أننا على صواب بأن نثبت بأن الآخرين على خطأ ؟!! هل كلما واجهتنا مشكلة ما في (((((تطبيق))))) الدين الإسلامي نقوم بمهاجمة الدين المسيحي من باب "نحن لسنا أسوء السيئين" ؟!!!
وأقول "تطبيق" من أجل أن يفهم البعض ـ لعلهم يفهمون ـ بأنني أؤمن بجمال الدين الإسلامي وعبقريته، ولكن أرى بأن تطبيق الناس في أيامنا هذه للدين هو المشكلة الرئيسية التي نواجهها هاهنا !!!
أعتذر لصديقي "مصطفى" على أنني فتحت صفحة نقاش عن موضوعه على مدونتي، كنت أريد أن أكتب ردًا على مدونته معلقًا على هذا الأمر ولكنني قررت بعدها ألا أسمح لأحد بأن يثير الغبار عنده أكثر مما هو مثار !! لعلني بهذا اسمح ببصيص نور للوصول إلى تلك المدونة الرائعة التي تحاول مهاجمة التشدد الديني لا الدين نفسه !!
وعلى فكرة أقول بعد بحث بسيط في الإنترنت :
سفر الإنشاد هو سفر تتحدث به العروس (أورشليم القدس) مع السيد المسيح، أي أنه ـ حسب وجهة النظر المسيحية ـ حوار ما بين مدينة وخالقها، والرمزية معروفة في المسيحية إلى أقصى الدرجات !
وحتى ولو كان هذا الحوار ما بين رجل وإمرأة، هذا لا يعطينا الحق بأي شكل من الأشكال بمهاجمة هذه الديانة أو تلك لمجرد أن نثبت بأننا أفضل الموجودين !!
إننا بإثباتنا بأن كل من حولنا سيئين كي نكون أفضلهم، لا يجعلنا أفضلهم على الإطلاق، يجعلنا الأسوء، حيث لم نحاول للحظة أن نصلح من أنفسنا بدلاً من توجيه كل هذه الطاقة نحو مهاجمة الآخرين.
وفي النهاية يقول عبد اللطيف الدعيج ـ وهو صحفي مهم في جريدة القبس ـ :
"إن لدينا الكثير من الارهابيين، والمشكلة معهم انهم لا يعلمون حقيقتهم، فهم بحسن نية يعتقدون أنهم على حق وأن ما يفعلونه ويؤيدونه حلال بلال لا جريمة ولا جنحة فيه. إنهم الذين يقتلون الناس وإنهم الذين يحجرون على الناس، إنهم الذين يمنعون الاحتفالات وإنهم الذين يؤيدون منع الاختلاط هذه الايام، وهم مع الاسف اغلبية السنة واغلبية الشيعة."