يكاد العرب يغيبون تماما عن التتويج في التجمعات البشرية العالمية الكبيرة التنافسية لولا بعض الحالات التي تعد على أصابع اليد الواحدة كما في الدورة الأولمبية الحالية في بكين وما سبقها من دورات..
ولعل سبب ذلك يكمن في جملة من العوامل منها عدم الجدية وغياب المنهجية العلمية في التعامل مع فكرة التنافس الرياضي والإبداعي عامة، وكذلك الثقافة التي كرست لديهم "الأنا" والفوقية.. ومنها نزعة الانتماء المكاني والقبلي الذي يجعل البعض يحلم ضمن أفق ضيق بدل أن يفكر بشمولية تتسع للوطن كله، وربما انعكست هذه العوامل على عقلية الجمهور الذي لا يفكر باستحقاق وجدارة من فاز بسباق أو مسابقة ما، قدر تفكيره بجدارة مرشح بلده أو قبيلته حتى وإن كان أداؤه متواضعا، لسبب واحد هو الانتماء الذي يغيّب المنطق والعقل، كما أن لجان التحكيم ـ بقناعة الجمهور ـ دائما متواطئة مع الخصم في مثل هذه الحالات.
في الأولمبيادات السابقة، وفي هذا الأولمبياد الأخير، شاهدنا ونشاهد الحالات التنافسية في صورتها الراقية.. فالجمهور يحزن لعدم فوز ابن بلده، لكنه يصفق للخصم الذي تفوق عليه، وهكذا ما يجب أن تسير عليه الأمور. لكن العرب الذين لا يخططون للفوز وعجزوا عن التنافس مع دول العالم رياضيا، اخترعوا ما يسلي جمهورهم عبر مسابقات أخرى لا يجيدها سواهم.. مثل لهجاتهم التي تنافست بشعرها الشعبي في "شاعر المليون".. وأغنياتهم وكروشهم التي نهبوا البرامج الغربية من أجلها..
وفيما هم ينافسون أنفسهم بدفع الملايين والملايين من أجل شاعر قبيلتهم ومغني بلدهم، كان العالم يتطور علمياً واقتصادياً وتكنولوجياً وإبداعيا ورياضيا.. تاركا لهم مسألة بذل المال لإعلان "أمير شعراء" قبيلة العرب الكبيرة الممتدة من الخليج إلى المحيط.
مأساة العقل العربي المستديمة أنه ما زال يحسب أنه بالمال يستطيع أن يحقق كل شيء ويجلب كل شيء وينال ما يريد. والبرامج التي تكون تنافسية في شكلها العام تكرّس هذه الفكرة المادية البحتة حين تحيّد التنافسية الإبداعية وتجعل المال هو المعيار الأساسي للفوز تبعا لما يدفع الناس.
ولو تأملنا ما فعلته الدول العربية مجتمعة خلال قرن مضى في كل الدورات الأولمبية وما فعلته دولة واحدة كألمانيا أو روسيا أو إسبانيا في دورة واحدة لعرفنا الفرق بين من يمتلك المال ولا يمتلك التخطيط، وبين من يخطط ويصنع وينجز ولا يكون المال في أولويات حساباته.
في بقية الحديث:
لو تبرع جمهور الدافعين لمبالغ دعم المشاركين في برامج المسابقات الشعرية والفنية بالأموال التي استنزفتها تلك البرامج منهم لمشروع معرفي في المناطق التي تحتاجه في بلدانهم، لقدموا خدمة تفوق فوز أحدهم بمسابقة ما ذات أبعاد ضيقة جدا لا تقدم أو تؤخر في مكانتهم على سلّم الحضارة العالمية. ولو تبرعوا بها لتدريب رياضيين قادرين على المنافسة العالمية، لربما ضاعفوا عدد ميدالياتهم الأولمبية، فالرياضة جزء من الحضارة والتطور الرياضي يصحبه عادة تطور معرفي علمي ثقافي إبداعي.