سيطرت جزيرة جامايكا بقيادة عدائها الفذ أوساين بولت حامل ذهبيتي سباقي 100 متر و200 متر ومحطم الرقمين القياسيين العالمين فيهما، وعدائتيها شيرلاين آن فرايزر وفيرونيكا كامبل براون على سباقات السرعة حتى خيل للبعض أن هؤلاء يخوضون التجارب الوطنية في كينجستون وليس منافسات ألعاب القوى في دورة الألعاب الأولمبية المقامة حالياً في بكين.
ولم تكتف جامايكا بالذهبيات الأربع بل نالت 3 ميداليات ملونة أخرى في سباقات السرعة الأربعة، أي 8 ميداليات من مختلف المعادن من أصل 12حتى الآن.
وحدها الولايات المتحدة نجحت في تحقيق الرباعية ثلاث مرات في تاريخ الألعاب الأولمبية أعوام 1964 و1984 و1988 علماً بأن سباق 100 متر تحديدا دائماً ما حمل ماركة ''صنع في أميركا''.
وللمفارقة، فان جامايكا لم تحرز أي ذهبية في سباقي 100 متر و200 متر على الصعيد الأولمبي في تاريخ مشاركاتها، علماً بانها دخلت الألعاب الحالية ولها 43 ميدالية منها 42 في ألعاب القوى.
وإذا كان الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم ودوري كرة السلة الأميركي للمحترفين يستحوذان بشكل كبير على اهتمام الجمهور الجامايكي على شاشة التلفزيون، فان معظم المحليين يدركون تماما بان ألعاب القوى هي اللعبة رقم واحد عندما يتعلق الأمر بوضع بلادهم على الخارطة الرياضية العالمية.
ولا تعتبر جامايكا حديثة العهد في سباقات السرعة، بل بدأت تفرض نفسها قوة فيها منذ أولمبياد لندن عام 1948 عندما فاز ممثلها ارثر هانت بذهبية سباق 400 متر، فلم يتردد دوق ادنبره في دعوته إلى تناول العشاء معه.
وكان بامكان جامايكا أن تسجل اسمها في سباق 100 متر قبل انجاز بولت في الدورة الحالية، لو انها عرفت كيف تحافظ على ابرز عدائيها قبل أن يدافعوا عن ألوان دول أخرى وأبرزهم البريطاني لينفورد كريستي بطل أولمبياد برشلونة عام 1992 والكندي دونوفان بايلي بطل أولمبياد أتلانتا عام 1996 وحتى الكندي الآخر بن جونسون الذي جرد من ذهبيته في أولمبياد سيول 1988 لتنشطه جذوره جامايكية.
واقترب ثلاثة عدائين جامايكيين من الذهب الأولمبي في سباق 100 متر من دون أن ينجحوا في ذلك وهم هيرب ماكينلي عام 1952 ولينوكس ميلر عام 1968 ودون كواري عام 1976 لكن جميعهم اكتفوا بالميدالية الفضية، قبل أن يتوج بولت بالذهبية في بكين.
وتعود نجاحات جامايكا في سباقات السرعة إلى البرنامج الوطني الناجح ويدعى ''بطل'' الذي يعود إلى العام 1910 ويجمع سنوياً أفضل العدائين في كافة مدارس جامايكا، علما بأن غالبية العدائين الذين أحرزوا ميداليات أولمبية تخرجوا منه.
ويستقطب هذا البرنامج سنوياً نحو ألفي عداء وعداءة ويقام على مدى 3 أيام ويحضره 30 ألف متفرج يوميا. وبرنامج ''بطل'' يتضمن سباقات لجميع الفئات العمرية اعتبارا من 5 سنوات، وهدفه اكتشاف المواهب وصقلها لجعلها تنافس على أعلى المستويات.
ولطالما كان برنامج ''بطل'' هدفا أساسيا لكشافي الولايات المتحدة الذين نجحوا في اقناع العدائين المحليين بالهجرة إلى أميركا من خلال اغرائهم بمنح دراسية يقدمونها لهم ولا يحصلون عليها في بلادهم.
غير أن جامايكا تداركت هذا الأمر وقدمت مساعدات كبيرة لعدائيها المحليين في السنوات الأخيرة، وبالتالي فان أبرز رياضييها وعلى رأسهم بولت وزميله اسافا باول يعيشون في كينجستون ويتدربون في ملاعبها وتحديدا في معهد جامايكا للتكنولوجيا وهذا ما شجع آخرين لكي يحذوا حذوهم.
ويقول مدير المعهد انطوني ديفيس: ''هناك الآن حوالي 300 عداء يتبعون برنامجا خاصا''. وأضاف ''لقد زرعنا البذور منذ فترة طويلة وها نحن نرى الحصاد حاليا''. والحصاد حتى الآن يشير إلى حصول جامايكا على 7 ميداليات منها أربع ذهبيات في منافسات ألعاب القوى في الألعاب الحالية، والعدد مرشح للارتفاع.
مصنع العدو
في غضون 30ر19 ثانية فقط أعاد العداء الجامايكي يوسين بولت كتابة 112عاماً من تاريخ العدو الأولمبي كما قدم البرهان على خطأ العداء الأولمبي الأميركي الشهير مايكل جونسون. وأصبح بولت أول عداء في تاريخ الدورات الأولمبية يحرز لقبي العدو 100متر و200 متر في دورة أولمبية واحدة.
وقال أحد الصحفيين من جامايكا: ''ظهر ملك جديد في المدينة'' بينما قالت أوليفيا جرانج وزيرة الرياضة الجامايكية ''إننا مصنع العدو في العالم.. لدينا موسيقانا ولدينا أفضل بن.. ومنحنا بوب مارلي الشهرة.. والآن لدينا يوسين بولت''.
وأثار بولت دهشة الجميع عندما نجح في تحطيم الرقم القياسي العالمي لسباق العدو 69ر9 ثانية السبت الماضي رغم تهدئة سرعته في الامتار الاخيرة من السباق وهو ما عجز الجميع عن وصفه.
وأصبحت الأمور أكثر صعوبة في وصف تألق بولت بعدما نجح العداء الجامايكي في تحطيم الرقم القياسي لسباق العدو 200 متر والمسجل باسم الأميركي جونسون منذ أولمبياد أتلانتا 1996 ويبلغ 32ر19 ثانية.
وأشار بولت إلى أن ما حققه لم يذهل عقل العالم فقط وإنما أذهله هو نفسه لكنه لم ينس أن يستمتع بمشاهدة السباق على شاشات التليفزيون مع التعليق على أداء باقي منافسيه في السباق قائلا ''يبدو هذا العداء هادئاً.. وهذا يبدو سريعاً''.
وبدا بولت مندهشاً بالفعل مما حققه كما أصابت الدهشة جونسون نفسه حيث رأى أن بولت لديه القدرات التي تساعده على تحطيم الرقم القياسي ولكنه لم يكن يتوقع ذلك في تلك الليلة. وقال جونسون قبل السباق ''لا أعتقد أنه سيحطمه هنا.. ستصيبني صدمة إذا حقق ذلك.. من أجل أن يسجل 3ر19 ثانية سيكون بحاجة إلى العدو بشكل أفضل في المنحنيات وأن يحافظ على سرعته بجوار الخط.. ولكنني لم أكن أعتقد أيضاً أنه سيقطع مسافة سباق 100 متر في 69ر9 ثانية''.
ويحمل جونسون أيضاً الرقم القياسي لسباق العدو 400 متر. ووصف جونسون فوز بول بسباق 100 متر بأنه ''أفضل أداء رأيته في حياتي كلها من أي عداء''. وأكد بولت مجدداً أن سباق 200 متر هو المفضل بالنسبة له حيث أضاف سباق 100 متر إلى سباقاته هذا العام فقط. وقال بولت ''قلت على مدار الموسم بأمله أن سباق 200 متر هو سباقي المفضل أكثر من 100 متر. وظل سباق 200 متر المفضل لي منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري.. إنه قريب إلى قلبي''.
وكان النبأ السعيد الوحيد لجونسون هو أن بولت لن يشارك في سباق 400 متر حتى عام .2009 وحاول جلين ميلز مدرب بولت طويلاً إقناعه بالمشاركة في سباق 400 متر بجوار 200 متر.
وقال إنه سيواصل المشاركة في سباقي 100 متر و200 متر حتى بطولة العالم في برلين العام المقبل وبعدها ''سأعيد حساباتي''. وقال بولت ''لن أشارك في سباق 400 متر في الوقت الحالي.. قد أفعل شيئاً آخر بعد بطولة العالم''.
ويرى المدير الفني للمنتخب الجامايكي لألعاب القوى بيرت كاميرون الفائز بسباق 400 متر في بطولة العالم 1983 انها مسألة وقت فقط حيث سيخوض بولت بعد ذلك سباق 400 متر. وقال كاميرون ''إنه يعلم أنه كان جاهزاً (لتحطيم الرقم القياسي العالمي) ويعلم أن بإمكانه العدو بسرعة أكبر. ويمكنه تحطيم الرقم القياسي لسباق 400 متر إذا أراد ذلك''.
ويؤكد كاميرون وجرانج والجميع في جامايكا بداية من رئيس الوزراء إلى كافة أفراد الشعب الجامايكي الذي يبلغ تعداده 6ر2 مليون نسمة أن بولت إنسان عادي وهو ما يراه بولت نفسه.